كتب محمد عبد الله سيد الجعفرى
استمرار الأزمة السورية، يعكس إشكالية حقيقية لا يواجهها العرب وحدهم، بل العالم كله، لأنها أزمة في واقع الأمر ارتبطت بعدد من المشكلات الإقليمية التي أدت تداعياتها إلى تفجر أزمات تلو الأزمات، وبناء عليه يمكن القول إن الأزمة السورية تبلورت نتيجة أوضاع نحصرها في ثلاثة متغيرات مرتبطة نسوقها على النحو التالى:
أولًا: عدم قيام النظام السورى من بداية الأزمة في عام ٢٠١١ بعملية احتواء للمشكلات في مهدها، وترك الأمور تتفاقم إلى حد خلق حالة تناقض رئيسى في الإقليم السورى، جراء استخدام العنف في مواجهة المعارضة لنظام حكم بشار الأسد، الأمر الذي أدى إلى خلق تيار قوى مثل تهديدا مباشرا للنظام الذي انتقل من العنف المحدود إلى استخدام المزيد من العنف اللامحدود.
ثانيًا: فقدان السيطرة أدى إلى خروج الموقف في النهاية عن حدود الاتفاق على الحل، ولم تفرق بعض الأطراف في التعامل مع الأزمة السورية بين النظام الحاكم والشعب السورى من ناحية، أو الخلط بين المعارضة والشعب السورى من ناحية أخرى، ما ترتب عليه وجود تناقضات خطيرة في المواقف الإقليمية والدولية تجاه تطورات الأزمة السورية.
ثالثًا: تراوحت التناقضات في إدارة الأزمة بين تناقضات رئيسية أثرت في صنع القرارات وتناقضات ثانوية أدت بشكل أو بآخر إلى توقف عجلة الحياة في معظم المدن والبلدات السورية، وأصبح المواطن السورى هو الضحية خاصة الذي يعيش خارج دمشق، حيث يعانى من حالة أزمة حقيقية نقول إنها فاقت كل حدود القبول الإنسانى.
وهكذا تحولت الأوضاع في سوريا إلى درب من المآسى التي تتنافى مع الأعراف الدينية والإنسانية، وتحول هذا الجزء من العالم العربى إلى ما يمكن تسميته بأرض محروقة يراق على ثراها الدم العربى المسلم، ما يجعلنا نقول إن الضمير العربى والعالمى، يتحمل المسئولية وبات واضحا أن إصرار بشار الأسد على الاستمرار في السلطة، يؤدى إلى جعل المواطن السورى ضحية له للمرة الثانية، ويدفع ثمن جرم لم يرتكبه لأن الإجراءات العقابية سواء من هذا الطرف أو ذاك، انعكست بالتبعية على تحميل الشعب السورى وطأة عقوبات من الطبيعى عدم وجودها، كان سيؤدى إلى التخفيف النسبى من الضغوط الحياتية والكوارث الإنسانية اليومية التي يعانيها السوريون داخل وطنهم.
وبالتالى كان أمرا طبيعيا، أن تتعقد المشكلات خاصة على المستوى اللوجيستى الذي من المفترض أنه المستوى المتاح والمستمر في كل منطقة ساخنة من مناطق العالم، التي تعانى من أزمة ما حيث يتفاقم الصراع بشكل يجعل من سوريا بيئة طاردة لأى شكل من أشكال الحياة، ومن هنا كانت ظاهرة النزوح الجماعى إلى خارج الأرض المحروقة، تشكل هربًا من وضع غريب هو في واقع الأمر أصبح «وصمة عار» ليس فقط في جبين الأمة الناطقة بلغة الضاد، بل في جبين العالم أجمع.
فقد تعاملت الجماعة الدولية مع معطيات الأزمة السورية برفض نظام الأسد الذي لم يستجب لمتطلبات التغيير السياسي، إذا جاز التعبير والذي ساد المنطقة العربية، تحت ما سمى بثورات الربيع العربى، وتراوح بين التغيير السلمى والتغيير العنيف، وكان بيد بشار الأسد أن يتعامل وفق روح العصر بذكاء، وينقذ نظامه من مخاطر السقوط، إذا كان يضع مصالح شعبه في اعتباره. من هنا تجلى رفض نظام الأسد في الإصرار على إنهاك الدولة السورية المنهكة أصلًا، ولم يكن هذا في واقع الأمر إلا أن يجعل المواطن السورى يسقط ضحية مرة أخرى عندما وقع بين سندان الإرهاب الداعشى، ومطرقة الضغوط الدولية في لحظة بدا لأى مراقب للأزمة السورية اختلاط كل الألوان والتيارات على الساحة السورية، لدرجة أنك لم تعد تعرف من يحارب من!.
أما الموقف العربى كان من الناحية النظرية، في صف الشعب السورى لكنه من الناحية العملية، لم تكن لديه المرونة الكافية خاصة لدى جامعة الدول العربية باعتبارها التنظيم الإقليمى العربى، للتعاطى مع الأزمة السورية بشكل يزيل مسبباتها، ويبحث عن حلول فاعلة لها، ولكننا وجدناه يلتقى مع الموقف الدولى في نقطة التقاطع التي لا تفرق بين نظام الأسد والشعب السورى، وإن كنت أعتقد أن الحكومة السورية تتحمل قدرا كبيرا من المسئولية، لأنها لم تتجاوب مع رغبة أطراف عربية عديدة من بينها مصر والسعودية، في جعل حماية الشعب السورى والحفاظ على وحدته الوطنية الهدف والمرتكز لأى تسوية سياسية محتملة.
كما أن دخول تنظيم داعش الإرهابى إلى الأراضي السورية، قادما من العراق غير من الموازين وخلط بين المفاهيم، وجعل البعض ينظر للمعارضة السورية على أنها هي داعش، وهنا مكمن الخطر، لأن الحقيقة تمثلت في أن دخول داعش إلى الأراضى السورية جاء نتيجة طبيعية لسقوط نظام بشار الأسد، في منحدر العناد إلى حد المقامرة بحياة شعب بأكمله ولولا ذلك لأمكن وقف المد الداعشى.
ويبقى السؤال: كيف يمكن الخروج من النفق المظلم الذي دخلت إليه الدولة السورية؟
أتصور أنه لا حل للأزمة إلا بتخلى بشار عن أطماعه السلطوية وقبوله لتسوية سياسية مع المعارضة الوطنية، تنقذ البلاد ويتم ذلك بضمانة دولية وإقليمية متمثلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية التي يجب أن يكون لها صوت مسموع في حل الأزمة السورية التي هي عربية بالأساس، ونحذر من تحويل الشعب السورى إلى شعب من اللاجئين.
وكفانا ما حدث في فلسطين، لأن الخطر مازال موجودا حتى برحيل الأسد ومتمثلا في الإرهاب الداعشى، وشبح تقسيم الدولة الذي يتفق ومخططات خبيثة تحاك ليست فقط فيما يتعلق بسوريا إنما بخارطة العالم العربى ككل، وهذا هو الخطر الداهم الذي تغفل عنه حتى اللحظة إرادة الفعل العربى.